بسم الله الرحمن الرحيم
آداب المسجد وأحكامه
المقدمة
بسم الله الرحمن الرحيم
النازل على الخواطف بأكف الشوارق، وأشهد أن لا إله إلا الله شهادة يفتح بنانها أبواب المغالق، ويشرح بيانها نجاة المصدق الموافق، وأشهد أن محمد بن عبد الله رسوله أنبل الخلائق، وأن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب تلوه في السوابق، وشرف الخلائق، وأن حبه برهان الأنساب اللواحقوأن أولياءه من طينة واحدة السوامق وأن أعداءه حلفاء مداحض المزالق، أخدان البوائق بالأثر الصادق، عن أشرف ناطق صلى الله عليه وعلى آله صلاة يسفر فجرها عن الدوام المترادف، المتتابع، المتلاحق.
وبعد
الأمر بإيجاد دُور للعبادة من التشريعات الإلهية التي أمر الله عز وجل بها سائر أنبيائه ، والمسجد هو الذي يمثل ذلك المكان الذي إعتنى الإسلام بشأنه ليكون محلاً تُقام فيه شعائر التعظيم والعبودية والإخلاص للباري تبارك وتعالى.
وقد أطلق على هذه الأماكن لفظ (المساجد) أي الأماكن التي تكون مواضع للسجود ، والسجود هو الشعار الذي يعبر به عن منتهى الخضوع والإنقياد والطاعة ، لتكون المنطلق لإيجاد حالة الإخلاص وبناء روح التقوى في المجتمع الإسلامي ، ولذا حرص الرسول الأكرم (ص) والأئمة الطاهرين (ع) على أن تكون السلوكيات الصادرة في تلك الأماكن بالخصوص هي تلك السلوكيات التي تنمى ظاهرة الإخلاص والتسليم لله عز وجل ، وتعزز في النفس روح العبودية الصادقة ، وحذروا من جميع التصرفات التي قد تخدش هذا البناء الإيماني.
ولم يكن المسجد في صدر الإسلام محلاً تقام فيه الصلاة فقط ، بل كان داراً للعلم والمعرفة ، ومركزاً لتجمع المؤمنين وترابطهم ، ومنطلقاً للجهاد والتحرك نحو مقارعة المستكبرين ، وكان البرنامج الدائم فيه هو إقامة الصلوات والأدعية ونحو ذلك ، وإنما كان المسجد محلا لجميع الأنشطة الإسلامية حينئذ لترتبط حياة المجتمع الإجتماعية والسياسية بروح الإيمان والتقوى ، ولأجل أن لا تكون تلك الأعمال فارغة عن المحتوى العقائدي ، ولتتحول جميع مظاهر الحياة إلى حالة إنقيادية لله تعالى تتضمن في عمقها العبادة والسعي نحو الكمال المطلق ، ولتبتني على أخلاق الإسلام.
ومجمل القول : فإن المساجد من أهم الشعائر الإلهية التي أمر الله عز وجل بنصبها وإقامتها لتكون المنطلق الأول لبناء الإنسان بناءاً عقائدياً شاملاً ، والموقع الأساسي لتقوية العلاقة مع الله عزوجل ، ومنشأ الحركة لجميع أبعاد السلوك الفردي والإجتماعي والسياسي ، لأن هذه الأعمال كتكاليف يفترض فيها قبل أن تكون أعمالاً فردية أو سياسية أو إجتماعية ، فهي أمور عقائدية لابد أن تنبثق من خلال العلاقة مع الله سبحانه وتعالى.
يقول احد العارفين
اسعوا في إعادة المساجد إلى ما كانت عليه في صدر الإسلام، ولتنتبهوا إلى أنه ليس في الإسلام عزلة أو اعتزال.
ويقول أيضا :
لقد هيأ سيد المظلومين ( عليه السلام ) للجماهير وسيلة مكنتها من عقد اجتماعاتها بسهولة ودون الحاجة إلى بذل جهود كبرى. والإسلام جعل من المساجد خنادق ووسائل ،لأن هذه المساجد والتجمعات وصلوات الجمعة والجماعة هيأت جميع ما يراد لتحقيق ما فيه مصلحة الإسلام وما يقيض أسباب تقدم النهضة إلى الإمام .
هذه هي خلاصة دور المسجد ومكانته في الإسلام ، ولتتضح أكثر بما يساعد على فهم وظائفنا تجاه هذه الأماكن المقدسة
، نحتاج إلى بسط الكلام بشيئ من التفصيل ، ويقع البحث من خلال الفصول التالي:
الفصل الأول
إستحباب بناء المساجد وبيان ثواب ذلك
قال الله تعالى في كتابه الكريم : {مَا كَانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَنْ يَعْمُرُوا مَسَاجِدَ اللَّهِ شَاهِدِينَ عَلَى أَنفُسِهِمْ بِالْكُفْرِ أُوْلَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ وَفِي النَّارِ هُمْ خَالِدُونَ إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلاَةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلاَّ اللَّهَ فَعَسَى أُوْلَئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنْ الْمُهْتَدِينَ}. [التوبة : 17 ، 18]
الآية الكريمة تبين الصفات التي يجب أن تتوفر في من يَعمر مساجد الله عز وجل، وأنه لابد وأن يكون طاهراً من الشرك ، مؤمناً بالله وباليوم الآخر ، مقيماً للصلاة ، مؤتياً للزكاة، وإذا إستقاموا فسيكونون من المهتدين ، ومن ذلك يتضح أيضاً أهمية المسجد، وإهتمام الإسلام البالغ به ، وبصفات من يعمره ، مضافا لما يأتي من الروايات الكثيرة المعتبرة.
قال الإمام الصادق عليه الصلاة والسلام :
(( من بنى مسجداً بنى الله له بيتاً في الجنة )) . وسائل الشيعة ج3 ص 485 ح 6334 ، باب 8 من أبواب أحكام المسجد.
وورد بالسند الصحيح عن الإمام الكاظم (ع) عن أبيه (ع) ، عن أمير المؤمنين عليهم الصلاة والسلام قال :
(( إن الله إذا أراد أن يُصيب أهل الأرض بعذاب قال : لولا الذين يتحابون بجلالي ، ويعمرون مساجدي ، ويستغفرون بالأسحار ، لأنزلت عذابي )). وسائل الشيعة ج3 ص 486 ح6338.
وفي الحديث دلالة ظاهرة على منزلة من بنى المسجد قربة الى الله تعالى ، وأنه بسببه إذا كان مخلصاُ يحفظ الله عزوجل الأرض من العذاب.
يقلون العلماء
من المستحبات الأكيدة بناء المسجد ، وفيه أجر عظيم ، وثواب جسيم ، وقد ورد أنه قال صلى الله عليه وآله : (( من بنى مسجداً في الدنيا أعطاه الله بكل شبر منه – أو قال : بكل ذراع منه – مسيرة ألف عام مدينة من ذهب وفضة ودّر وياقوت وزمرّد وزبرجد ولؤلؤ)) الحديث.
الفصل الثاني
تأكيد الروايات على أهمية الصلاة في المسجد
قوله تعالى (وأقيموا وجوهكم عند كل مسجد وادعوه مخلصين له الدين)( الاعراف 29) هو حثّ وترغيب للمسلمين على إقامة الصلاة اليومية في المساجد، كما وردت بذلك الأخبار.
منها: ما روي أن في التوراة مكتوباً:إن بيوتي في الأرض المساجد، فطوبى لمن تطهر في بيتي، وحقّ على المزور أن يكرم الزائر (الوسائل: ج 3 ص 482 ب 3 من أبواب أحكام المساجد ح 5 و 6..).
وعن أمير المؤمنين عليه السلام أنه قال: الجلسة في الجامع خير لي من الجلسة في الجنة، لأن الجنة فيها رضا نفسي والجامع فيه رضا ربي (الوسائل: ج 3 ص 482 ب 3 من أبواب أحكام المساجد ح 5 و 6..).
وعن الامام الصادق عليه السلام أنه قال: صلوا من المساجد بقاعاً مختلفة فإن كل بقعة تشهد للمصلي عليها يوم القيامة(الوسائل: ج 3 ص 474 ب 42 من أبواب مكان المصلي ح 7.).
وعنه عليه السلام أنه قال: من مشى إلى المسجد لم يضع رجله على رطب ولا يابس إلا سبّحت له الارض الى الأرضين السابعة (الوسائل: ج 3 ص 482 ب 4 من أبواب أحكام المساجد ح1).
وعن علي عليه السلام قال: صلاة في بيت المقدس تعدل ألف صلاة، وصلاة في المسجد الأعظم مائة صلاة، وصلاة في مسجد القبيلة خمس وعشرون صلاة، وصلاة في مسجد السوق اثنتا عشرة صلاة، وصلاة الرجل في بيته وحده صلاة واحدة ( الوسائل: ج 3 ص 551 ب 64 من أبواب المساجد ح 2).
ويكره تعطيل المسجد، ففي الخبر عن الصادق عليه السلام قال: ثلاثة يشكون الى اللّه عز وجل: مسجد خراب لا يصلي فيه أهله، وعالم بين جهال، ومصحف معلق قد وقع عليه الغبار لا يقرأ فيه (الوسائل: ج 3 ص 483 ب 5 من أبواب أحكام المساجد ح 1).
ويستحب التردد الى المساجد، ففي الخبر عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم قال: من مشى الى مسجد من مساجد اللّه فله بكل خطوة خطاها حتى يرجع الى منزله عشر حسنات، ومحي عنه عشر سيئات، ورفع له عشر درجات ( الوسائل: ج 3 ص 483 ب 4 من أبواب أحكام المساجد ح 3).
ورد بالسند الصحيح عن الإمام الصادق أنه قال :
(( إن أناساً كانوا على عهد رسول الله (ص) أبطأوا عن الصلاة في المسجد ، فقال النبي (ص): ليوشك قوم يُدعون الى الصلاة في المسجد أن نأمر بحطب فيوضع على أبوابهم فتوقد عليهم نار فتحرق عليهم بيوتهم )). وسائل الشيعة ج3 ص 478 ح 6312.
وفي هذا الحديث من التأكيد على أهمية الصلاة في المسجد بما لا يحتاج الى بيان.
وورد بالسند المعتبر عن الإمام الصادق (ع) ، عن أبيه ، عليهما الصلاة والسلام، قال : قال النبي (ص) : (( من كان القرآن حديثه ، والمسجد بيته ، بنى الله له بيتاً في الجنة )). وسائل الشيعة ج3 ص 381 ح 6322.
وروي عن الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال :
(( سبعة يُظلهم الله في ظله يوم لا ظلّ إلا ظلّه ، إمام عاد ، وشاب نشأ في عبادة الله عزوجل، ورجل قلبه متعلق بالمسجد إذا خرج منه حتى يعود إليه ، ورجلان كانا في طاعة الله عزوجل فإجتمعا على ذلك وتفرقا ، ورجل ذكر الله خالياً ففاضت عيناه ، ورجل دعته إمرأة ذات حسب وجمال ، فقال : إني أخاف الله ، ورجل تصدّق فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما يتصدق بيمينه)). وسائل الشيعة ج3 ص 482 ح 6324.
وروي عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أيضا أنه قال :
(( لا صلاة لجار المسجد إلا في مسجده )). وسائل الشيعة ج3 ص 478 ح 6311.
ووردت روايات أخرى قريبة من هذا المضمون ، وهذه الرواية محمولة على كراهية ترك الصلاة في المسجد ، والمبالغة على إستحباب حضور المساجد وإقامة الصلوات فيها.
يقولون العلماء
يستحب الصلاة في المساجد ، بل يُكره عدم حضورها بغير عذر خصوصاً لجار المسجد ، حتى ورد في الخبر : (( لا صلاة لجار المسجد إلا في المسجد )) ، وأفضلها المسجد الحرام ، ثم مسجد النبي صلى الله عليه وآله ، ثم مسجد الكوفة والأقصى ، ثم مسجد الجامع ، ثم مسجد القبيلة ، ثم مسجد السوق ، والأقضل للنساء الصلاة في بيوتهن ، والأفضل بيت المخدع ، وكذا يُستحب الصلاة في مشاهد الأئمة عليهم السلام ، خصوصاً مشهد أمير المؤمنين عليه السلام وحائر أبي عبد الله عليه السلام.
وقال أيضاً :
يُكره تعطيل المسجد ، وقد ورد أنه أحد الثلاثة الذين يشكون إلى الله عز وجل يوم القيامة ، والآخران عالم بين جهال ، ومصحف معلق قد وقع عليه الغبار لايُقرأُ فيه، وورد (( إن من مشى الى مسجد من مساجد الله فله بكل خطوة خطاها حتى يرجع الى منزله عشر حسنات ، ومحيَ عنه عشر سيئات ، ورُفع له عشر درجات)).
فضل الثالث
تأكيد الروايات على أهمية صلاة الجماعة
قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم: من مشى الى مسجد يطلب فيه الجماعة كان له بكل خطوة سبعون ألف حسنة، ويرفع له من الدرجات مثل ذلك، فإن مات وهو على ذلك وكّل اللّه به سبعين ألف ملك يعودونه في قبره ويبشرونه ويؤنسونه في وحدته، ويستغفرون له حتى يبعث (الوسائل: ج 5 ص 372 ب1 من أبواب صلاة الجماعة ح 7).
وعنه صلى اللّه عليه وآله وسلم: من صلى الخمس في جماعة فظنوا به خيراً (الوسائل: ج 5 ص 371 ب 1 من أبواب صلاة الجماعة ح 4).
وعنه صلى اللّه عليه وآله وسلم قال: من صلى الفجر في جماعة ثم جلس يذكر اللّه عز وجل حتى تطلع الشمس كان له في الفردوس سبعون درجة، بعد ما بين كل درجتين كحضر الفرس الجواد المضمر سبعين سنة، ومن صلى الظهر في جماعة كان له في جنات عدن خمسون درجة، بعد كل درجتين كحضر الفرس الجواد خمسين سنة، ومن صلى العصر في جماعة كان له كأجر ثمانية من ولد إسماعيل كلهم رب بيت يعتقهم، ومن صلى المغرب في جماعة كان له كحجة مبرورة وعمرة مقبولة، ومن صلى العشاء في جماعة كان له كقيام ليلة القدر ( الوسائل: ج 5 ص 373 ب 1 من أبواب صلاة الجماعة ح 11).
وقال الصادق عليه السلام: من صلى الغداة والعشاء الآخرة في جماعة فهو في ذمة اللّه عز وجل (الوسائل: ج 5 ص 378 ب 3 من أبواب صلاة الجماعة ح 2).
وعن الرضا عليه السلام قال: إنما جعلت الجماعة لئلا يكون الاخلاص والتوحيد والاسلام والعبادة للّه إلا ظاهراً مكشوفاً مشهوراً، لأن في إظهاره حجة على أهل الشرق والغرب للّه وحده، وليكون المنافق والمستخف مؤدياً لما أقر به يظهر الاسلام والمراقبة، وليكون شهادات الناس بالاسلام بعضهم لبعض جائزة ممكنة، مع ما فيه من المساعدة على البر والتقوى، والزجر عن كثير من معاصي اللّه عز وجل (الوسائل: ج 5 ص 372 ب 1 من أبواب صلاة الجماعة ح 9).
وعن أبي سعيد الخدري قال: إن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم قال: صلاة الجماعة تفضل صلاة الفرد بخمس وعشرين درجة (الوسائل: ج 5 ص 374 ب 1 من أبواب صلاة الجماعة ح 14)
وعن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم: أتاني جبرئيل مع سبعين ألف ملك بعد صلاة الظهر، فقال: يا محمد إن ربك يقرئك السلام، وأهدى اليك هديتين لم يهدهما الى نبي قبلك، قلت: ما الهديتان ؟ قال: الوتر ثلاث ركعات والصلوات الخمس في جماعة قلت: يا جبرئيل، وما لامتي في الجماعة ؟ قال: يا محمد، اذا كانا اثنين كتب اللّه لكل واحد بكل ركعة مائة وخمسين صلاة، واذا كانوا ثلاثة كتب اللّه لكل واحد منهم بكل ركعة ستمائة صلاة، واذا كانوا أربعة كتب اللّه لكل واحد منهم بكل ركعة ألفاً ومائتي صلاة، واذا كانوا خمسة كتب اللّه لكل واحد بكل ركعة ألفين وأربعمائة صلاة، واذا كانوا ستة كتب اللّه لكل واحد بكل ركعة أربعة آلاف وثمانمائة صلاة، واذا كانوا سبعة كتب اللّه لكل واحد منهم بكل ركعة تسعة آلاف وستمائة صلاة، واذا كانوا ثمانية كتب اللّه تعالى لكل واحد منهم بكل ركعة تسعة عشر ألفاً ومائتي صلاة، واذا كانوا تسعة كتب اللّه لكل واحد منهم بكل ركعة ستة وثلاثين ألفاً وأربعمائة صلاة، واذا كانوا عشرة كتب اللّه تعالى لكل واحد بكل ركعة سبعين ألفاً وألفين وثمانمائة صلاة، فإن زادوا على العشرة فلو صارت بحار السماوات والأرض كلها مداداً والأشجار أقلاماَ والثقلان مع الملائكة كتاباً لم يقدروا أن يكتبوا ثواب ركعة واحدة.
يا محمد، تكبيرة يدركها المؤمن مع الامام خير له من ستين ألف حجة وعمرة، وخير من الدنيا وما فيها سبعين ألف مرة، وركعة يصليها المؤمن مع الامام خير من مائة ألف دينار يتصدق بها على المساكين، وسجدة يسجدها المؤمن مع الامام في جماعة خيرمن عتق مائة رقبة ( مستدرك الوسائل: ج 1 ص 487 ب 1 عن أبواب صلاة الجماعة ح 3).
وعن الامام الصادق عليه السلام: الصلاة خلف العالم بألف ركعة، وخلف القرشي بمائة ( مستدرك الوسائل: ج 1 ص 492 ب 23 من أبواب صلاة الجماعة ح 6).
ولا يخفى أنه اذا تعددت جهات الفضل تضاعف الأجر، فاذا كانت في مسجد السوق الذي تكون الصلاة فيه باثنتي عشر صلاة يتضاعف بمقداره، واذا كانت في مسجد القبيلة الذي تكون الصلاة فيه بخمسة وعشرين فكذلك، واذا كانت في مسجد الجامع الذي تكون الصلاة فيه بمائة يتضاعف بقدره، وكذا اذا كانت في مسجد الكوفة الذي بالف، أوكانت عند علي عليه السلام الذي فيه بمائتي الف، واذا كانت خلف العالم أو السيد فأفضل، وكلما كان الامام أوثق وأورع وأفضل فأفضل، واذا كان المأمومون ذو فضل فتكون أفضل، وكلما كان المأمومون أكثر كان الأجر أزيد.
ولا يجوز تركها رغبة عنها أو استخفافاً بها، ففي الخبر عن الصادق عليه السلام: لا صلاة لمن لا يصلي في المسجد مع المسلمين إلا من علة (الوسائل: ج 5 ص 376 ب 2 من أبواب صلاة الجماعة ح
.
وعن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم أنه قال: لا غيبة إلا لمن صلى في بيته ورغب عن جماعتنا، ومن رغب عن جماعة المسلمين وجب على المسلمين غيبته، وسقطت بينهم عدالته ووجب هجرانه، واذا دفع الى إمام المسلمين أنذره وحذره، فإن حضر جماعة المسلمين وإلا احرق عليه بيته ( الوسائل: ج 18 ص 289 ب 41 من أبواب الشهادات ح 2).
وفي آخر: أن أمير المؤمنين عليه السلام بلغه أن قوماً لا يحضرون الصلاة في المسجد فخطب فقال: إن قوماً لا يحضرون الصلاة معنا في مساجدنا، فلا يؤاكلونا ولا يشاربونا ولا يشاورونا ولا يناكحونا ولا يأخذوا من فيئنا شيئاً أو يحضروا معنا صلاتنا جماعة، وإني لاوشك أن آمرهم بنار تشعل في دورهم فاحرق عليهم أو ينتهون، قال: فامتنع المسلمون من مؤاكلتهم ومشاربتهم ومناكحتهم حتى حضروا الجماعة مع المسلمين (الوسائل: ج 3 ص 479 ب 2 من أبواب أحكام المساجد ح 9).
وعن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم أنه قال: ألا أدلكم على شيء يكفر اللّه به الخطايا ويزيد في الحسنات ؟ قيل: بلى يا رسول اللّه قال: إسباغ الوضوء على المكاره، وكثرة الخطى الى هذه المساجد، وانتظار الصلاة بعد الصلاة، وما منكم أحد يخرج من بيته متطهراً فيصلي الصلاة في الجماعة مع المسلمين ثم يقعد ينتظر للصلاة الاخرى إلا والملائكة تقول: اللهم اغفر له، اللهم ارحمه، فاذا قمتم الى الصلاة فاعدلوا صفوفكم وأقيموها وسدوا الفرج، واذا قال إمامكم: اللّه اكبر، فقولوا: اللّه أكبر، وإذا ركع فاركعوا، وإذا قال سمع الله لمن حمده فقولوا: اللهم ربنا لك الحمد إن خير الصفوف صف الرجال المقدم وشرها المؤخر ( أمالي الشيخ الصدوق: ص 264 المجلسي 52 ح 10)
الىغير ذلك من الأخبار الكثيرة.
فمقتضى الايمان عدم الترك من غير عذر، سيما مع الاستمرار عليه، فإنه كما ورد لا يمنع الشيطان من شيء من العبادات منعها، ويعرض عليهم الشبهات من جهة العدالة ونحوها، حيث لا يمكنهم إنكارها، لأن فضلها من ضروريات الدين (العروة الوثقى: ص 252 مطبعة المرتضوية في النجف الاشرف سنة 1345 هـ).
أول جماعة في الاسلام
عن الامام الصادق عليه السلام أنه قال: أول جماعة كانت أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم كان يصلي وأمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام معه إذ مر به أبو طالب وجعفر معه فقال: يا بني صل جناح ابن عمك، فلما أحس رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم تقدمهما وانصرف أبوطالب مسروراً - الى أن قال: - فكانت أول جماعة جمعت ذلك اليوم (الوسائل: ج 5 ص 373 ب 1 من أبواب صلاة الجماعة ح 12الفصل الثالث
الفصل الرابع
أحكام المسجد
تنقسم أحكام المسجد الى ثلاثة أقسام :
أحكام واجبة .
أحكام مستحبة .
أحكام مكروهة .
ولابد من الحديث عن كل قسم من الأقسام المذكورة :
أ- الأحكام الواجبة والمحرمة للمسجد
دخول المسجد على غير جنابة ولاحيض ، الا بنحو المرور ، ويستثنى من جواز المرور المسجد الحرام ومسجد الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم ، حيث يحرم المرور فيهما بالنسبة للجنب والحائض.
قال الله عزوجل في كتابه الكريم :
{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَقْرَبُوا الصَّلاَةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ وَلاَ جُنُبًا إِلاَّ عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا }. [النساء : 43]
وورد بالسند الصحيح عن جميل بن درّاج قال :
(( سألت أبا عبد الله (ع) عن الجنب يدخل في المساجد ؟ فقال (ع) : لا ، ولكن يمر فيها كلها إلا المسجد الحرام ومسجد الرسول (ص))). وسائل الشيعة ج2 ص 205 ح1932
لايجوز وضع شيئ في المسجد بالنسبة للجنب والحائض ، ولكن يمكنهما أخذ شيئ من المساجد بإستثناء الحرمين الشريفين.
ففي الخبر الصحيح عن زرارة ومحمد بن مسلم عن الإمام الباقر عليه الصلاة والسلام ، قالا :
(( قلنا له : الحائض والجنب يدخلان المسجد أم لا ؟ قال (ع) : الحائض والجنب لايدخلان المسجد إلا مجتازين ، إن الله تبارك وتعالى يقول : {وَلاَ جُنُبًا إِلاَّ عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا} ويأخذان من المسجد ، ولايضعان فيه شيئاً)). علل الشرايع ص 288 ، وسائل الشيعة ج2 ص 213 ح1958
ويلحق بالمساجد المشاهد المشرفة على الأحوط – وجوباً - .
يحرم تنجيس المساجد ، وإذا تنجس يجب تطهيره على الفور ، وقد إجمع عليه فقهاء الطائفة، وروي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال : (( جنبوا مساجدكم النجاسة )). العروة الوثقى ج1 ص 598 ، الحدائق الناضرة ج 7 ص 277 ، وسائل الشيعة ج3 ص 504 ح 6411.
لايجوز بيع آلات المساجد ومايتبعه التي وقفت له ، إذا أمكن الإستفادة منها لشئونه، كما أن الأصل عدم جواز بيعه الا في بعض الموارد التي لايسع هذا المختصر لتفصيلها. العروة الوثقى ج1 ص 598.
يحرم زخرفة المسجد وتزيينه بالذهب على الأحوط – وجوباً-، والأحوط –وجوباً- عدم نقشه بالصور. العروة الوثقى ج1 ص 598.
يجب إحترام المسجد وتحرم إهانته بأي نحو كان، ويدل عليه عدة أمور منها مادل على لزوم تعظيم الشعائر ، وعلى هذا فلو كان أسلوب الكلام في المسجد أو غيره من التصرفات يتنافى مع إحترام المسجد ويوجب إهانته ، فهو حرام ، ويجب النهي ، لما دل على لزوم النهي عن المنكر. العروة الوثقى ج1 ص 598.
ب- الأحكام المستحبة للمسجد
الآداب المستحبة في المساجد كثيرة ، ومنها :
الإبتداء بالصلاة على النبي (ص) وآله عند الدخول ، والصلاة عليهم عند الخروج ، ففي الخبر الصحيح عن الإمام الصادق عليه الصلاة والسلام قال: (( إذا دخلت المسجد فصل على النبي (ص) ، وإذا خرجت فافعل ذلك)). وسائل الشيعة ج3 ص 517 ح 6458.
الدعاء عند الدخول والخروج ، فقد وروي : إذا دخلت المسجد فقل :
بسم الله وبالله ، والسلام على رسول الله (ص) إن الله وملائكته يصلون على محمد وآل محمد ، والسلام عليهم ورحمة الله وبركاته ، رب إغفر لي ذنوبي ، وإفتح لي أبواب فضلك.
وإذا خرجت فقل مثل ذلك. وسائل الشيعة ج3 ص 516 ح 6454.
ورى شيخ الطائفة الطوسي في أماليه بسنده عن عبدالله بن الحسن ، عن أمه فاطمة ، عن جدته فاطمة عليها الصلاة والسلام قالت :
كان رسول الله (ص) إذا دخل المسجد صلى على النبي وقال :
اللهم إغفر لي ذنوبي وإفتح لي أبواب رحمتك .
فإذا خرج من الباب صلى على النبي (ص) وقال :
اللهم إغفر لي ذنوبي وإفتح لي أبواب فضلك.
تقديم الرجل اليمنى عند الدخول ، واليسرى عند الخروج ، فقد روى يونس بن عبد الرحمن عنهم عليهم الصلاة والسلام : (( الفضل في دخول المسجد أن تبدأ برجلك اليمنى إذا دخلت ، وباليسرى إذا خرجت )). وسائل الشيعة ج3 باب 40 من أبواب أحكام المساجد ص 517 ح 6459.
تحية المسجد ، وهي عبارة عن أن يصلي ركعتين مثل صلاة الصبح عندما يدخل المسجد ، فقد روى الشيخ الصدوق (رض) بسنده عن أبي ذر الغفاري (رض) قال: ((دخلت على رسول الله (ص) وهو في المسجد جالس فقال لي: يا أباذر ، إن للمسجد تحية. قلت : وماتحيته ؟ قال :ركعتان تركعهما..)). وسائل الشيعة ج3 ص 518 ح6462.
الدخول على طهارة ، فقد روي عن الإمام الباقر (ع) أنه قال :
(( إذا دخلت المسجد وأنت تريد أن تجلس فلا تدخله إلا طاهراً ، وإذا دخلته فإستقبل القبلة، ثم إدع الله ، وسلهُ ، وسمِّ حين تدخله ، وإحمد الله وصل على النبي (ص))). وسائل الشيعة ج3 ص 516 ح6454.
كنس وتنظيف المسجد ، لاسيما ليلة الجمعة ، فقد روي عن الإمام الكاظم (ع) أنه قال : (( قال رسول الله (ص) : من كنس المسجد يوم الخميس ليلة الجمعة فأخرج منه من التراب مايُذَّرُ في العين غفر الله له)). وسائل الشيعة ج3 ص 511 ح6437.
وروى الشيخ الصدوق (قده) بسنده عن الإمام الصادق (ع) ، عن آبائه (ع) : ((أنّ رسول الله (ص) قال : من قمًّ مسجداً كتب الله له عِتقَ رقبة ، ومن أخرج منع ما يُقذي عيناً كتب الله عزوجل له كِفليْنِ من رحمته)). وسائل الشيعة ج3 ص 511 ح6438.
التطيب ولباس الثياب الفاخرة عند قصد المسجد والدعاء فيه ، ويدل عليه عموم مادل على إستحباب تعظيم الشعائر ، وروى ثقة الإسلام الكليني (قده) بسنده عن الإمام الصادق (ع) قال :
(( إنّ علي بن الحسين (ع) إستقبله مولى له في ليلة باردة وعليه جبة خز ، ومطرف خزّ وعمامة خزّ ، وهو متغلف بالغالية، فقال له : جُعلت فداك ، في مثل هذه الساعة على هذه الهيئة إلى أين ؟ قال : فقال : الى مسجد جدي رسول الله (ص) أخطب الحور العين إلى الله عز وجل)). الخز : نوع من الثياب الفاخر ، والمطرف : هو الرداء ، والغالية : نوع من الطيب ، المصدر : وسائل الشيعة ج3 ص 503 ح 6408.
تعدد الصلاة في بقاع المسجد المختلفة ، فقد روى الشيخ الصدوق بإسناده عن الإمام الصادق عليه الصلاة والسلام أنه قال :
(( عليكم بإتيان المساجد فإنها بيوت الله في الأرض ، ومن أتاها متطهراً طهرّه الله من ذنوبه وكُتِبَ من زُواره ، فأكثروا فيها من الصلاة والدعاء ، وصلّوا من المساجد في بقاع مختلفة ، فإن كل بقعة تشهد للمصلي عليها يوم القيامة)). الحدائق الناضرة ج7 ص 276.
ج- المكروهات في المساجد
من المكروهات في المساجد الأمور التالية :
البيع والشراء داخل المسجد ، فقد روي عن الإمام الصادق عليه الصلاة والسلام أنه قال:
(( جنبوا مساجدكم البيع والشِراءَ 1والمجانينَ والصبيان والضالة والحدود ورفع الصوت )). وسائل الشيعة ج3 ص 507 ح6420.
وروي عن الإمام الكاظم (ع) أنه قال : قال رسول الله (ص) :
(( جنبوا مساجدكم صبيانكم ومجانينكم وشراءكم وبيعكم )). وسائل الشيعة ج3 ص 507 ح6421.
أن لايخرج من المسجد عند سماع الأذان قبل أن يصلي ، إلا إذا كان أراد يخرج ويريد العودة اليه ، ففي الخبر المعتبر عن الإمام الصادق (ع) ، عن آبائه عليهم السلام ، قال : قال النبي (ص) :
(( من سَمِعَ النداء في المسجد فخرج من غير علةٍ فهو منافق ، إلا أن يُريد الرجوع إليه)). وسائل الشيعة ج3 ص 513 ح6456.
وورد بالسند الصحيح عن الإمام الصادق (ع) قال :
(( إذا صليت صلاة وأنت في المسجد وأقيمت الصلاة ، فإن شئت فأخرج ، وإن شئت فصل معهم ، وإجعلها تسبيحاً )). وسائل الشيعة ج3 ص 514 ح6457.
خذف الحصا ، أي رميه بمضرب من الخشب أو بغيره ، فقد ورد بالإسناد المعتبر عن الإمام الصادق (ع) عن آبائه (ع) :
(( أن النبي (ص) بصر رجلاً يخذف بحصاة في المسجد فقال : مازالت تلعن حتى وصلت ، ثم قال : الخذف في النادي من أخلاق قوم لوط ..)). وسائل الشيعة ج3 ص 514 ح6449.
رفع الصوت ، ويدل عليه بعض ما تقدم من الروايات ، وإنما المقصود من رفع الصوت الذي يكون في غير محله مما يشكل إزعاجاً ويخرج عن الأغراض العقلائية.
أخذ الصبيان والأطفال الصغار بالطريقة التي توجب إزعاج المصلين ، نعم لا بأس بأخذهم لأجل تربيتهم مع السعي لإبعاد إزعاجهم عن المصلين ، ولن على ذلك بعض الروايات التي تقدمت.
اللغو والخوض بالكلام الذي لا منفعة فيه ، فقد روي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال :
(( يا أباذر ، الكلمة الطيبة صدقة ، وكل خطوة تخطوها الى الصلاة صدقة ، يا أباذر، من أجاب داعي الله وأحسن عمارة مساجد الله كان ثوابه من الله الجنة ، فقلت : كيف يَعمر مساجد الله ؟ قال (ص) : لا تُرفع الأصوات فيها ، ولا يُخاض فيها بالباطل ، ولا يُشترى فيها ولا يُباع ، وإترك اللغو مادمت فيها ، فإن لم تفعل ، فلا تلومن يوم القيامة إلا نفسك)). وسائل الشيعة ج3 ص 507 ح6422.
الفصل الخامس
الأحكام غير المختصة بالمسجد
ولكنها تتأكد فيه
من الأمور التي لا تختص حرمتها بالمسجد ، ولكنها مع ذلك تتأكد فيه الأمور التالية:
يحرم الإزعاج سواء في المسجد أو غيره للروايات الكثيرة الدالة على حُرمة إيذاء المؤمن، ومن تلك الروايات الصحيحة المعتبرة صحيح هشام بن سالم قال :
(( سمعت أبا عبد الله (ع) يقول : قال الله عز وجل: ليأذن بحرب مني من آذى عبدي المؤمن، وليأمن غضبي من أكرم عبدي المؤمن )). الكافي ج2 ص 350.
تحرم الغيبة ، وتوجب فقدان ثواب الحضور في المسجد ، وقد ورد بالسند المعتبر عن الإمام الصادق (ع) قال :
(( قال رسول الله (ص) : الغيبة أسرع في دين الرجل المسلم من الآكلة في جوفه .
قال (ع) : وقال رسول الله (ص) : الجلوس في المسجد إنتظار الصلاة عبادة مالم يُحدث. قيل : يارسول الله ، وما يُحدث ؟ قال (ص) : الإغتياب )). الكافي ج2 ص 356.